يتحدون الاحتلال

مواطنو غزة للاحتلال: مش طالعين من أرضنا ولن نكرر النكبة مرتين

مواطنو غزة للاحتلال: مش طالعين من أرضنا ولن نكرر النكبة مرتين
تقارير وحوارات

غزة/ سماح المبحوح:
في خيمة من القماش والبلاستيك البالي بفعل أشعة شمس آب الحارقة، نصبت على جانبي إحدى الطرقات بمدينة غزة، تلوح مريم برغوث بقطعة كارتون لطرد البعوض عن وجه طفلها الصغير وسط انتشار الحشرات والجرذان، في مشهد يبدو للكثيرين أنه مأساوي وقاس للغاية، لكن بالنسبة لها لا يقل قساوة وصعوبة عن نزوحها السابق قسرا لجنوب القطاع.
برغوث التي تقضي ساعات يومها الأولى حتى يحل المساء في الاصطفاف في طوابير طويلة لتعبئة جالونات المياه، والبحث عن الحطب والكرتون والبلاستيك لإشعال النيران لأعداد الطعام لأفراد عائلتها، تقول:" أفضل البقاء في الخيمة وقضاء نهاري بتعب وكد بالبحث عن أدنى مقومات للبقاء على قيد الحياة، ولا أضطر للنزوح مرة أخرى لمناطق جنوب القطاع".

وتضيف وهي تستحضر مشاهد من ذاكرتها المليئة بمواقف عايشتها منذ اللحظة الأولى لنزوحها إلى الجنوب": كنت وأفراد عائلتي في مبنى الصناعة، دخل علينا الجيش وأمرنا بالنزوح للجنوب، وهنا بدأت رحلة معاناتنا المريرة والقاسية، إلى أن اقمت بمنزل لأحد أقرابي، حتى عودتنا إلى مدينة غزة".
وتشدد أنه على الرغم من اقامتها بأحد منازل عائلتها جنوب القطاع فترة نزوحها السابق، إلا أنها تفضل البقاء بالخيمة في شوارع المدينة، على أن لا تتركها وتخضع لأوامر جيش الاحتلال من جديد، وتستدرك:" بفضل يقتلوني أنا وولادي ولا أنزح من جديد لمناطق غير مدينتي الى تعودت عليها من لما كنت طفلة حتى تزوجت فيها".

 

وعلى الرغم من أن الخطط التي أقرتها الحكومة الإسرائيلية بشأن التعامل العسكري مع قطع غزة أثارث مخاوف الفلسطينيين من إحياء ما عُرف بـ"خطة الجنرالات" التي حاولت "إسرائيل" تطبيقها قبل اتفاق التهدئة في يناير/ كانون الثاني الماضي والذي انهار بعد 70 يوما، إلا أنهم يرفضون النزوح والرحيل عن مدنهم ومخيماتهم.

وكانت "خطة الجنرالات" تنص على إخلاء مناطق شمال قطاع غزة ومدينة غزة من السكان وتحويلها لمنطقة عسكرية، وفرض حصار كامل على هذه المناطق، لكن الخطة لم تطبق بعد رفض عدد كبير من سكان شمال غزة مغادرة منازلهم.

وأقرت "إسرائيل" خطة عرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال اجتماع مطول للمجلس السياسي والأمني المصغر (الكابينيت) للسيطرة على مدينة غزة ووسطها.

وتتضمن الخطة التي يريد نتنياهو تنفيذها احتلال قطاع غزة بشكل كامل بدءًا من مناطق شمال القطاع ، ثم تسليمه لقوات عربية أو دولية لإدارته.
يأتي ذلك رغم اعتراض رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير الذي اعتبر أن هذه المهمة ستكون طويلة وشاقة وبلا هدف واضح.

رفض النزوح


ووسط الركام والدمار الذي خلّفته آلة الحرب الإسرائيلية في منزله الصغير الدافئ ، وبين جدران لم تبقَ منها سوى أطلال، وبعض حجارة متهالكة، يجلس أبو محمد منصور في أحد الزوايا متسائلا "لماذا نغادر؟ وإذا خرجنا، لن نعود أبداً، ولن يسمحوا لنا بالعودة. أكلنا المرار، وتعرضت وعائلتي للاستهداف عشر مرات، ومن قال إننا إن خرجنا سنعيش في ظروف إنسانية؟ ربما تكون هذه الظروف أفضل بكثير من المجهول الذي ينتظرنا".
ويقول منصور بإصرار وتحد خلال حديثه لـ"الاستقلال" :" منزلي ليس مجرد جدران وسقف بل هو وطن لا يمكن التنازل عنه والرحيل منه بكل سهولة، ومخيمي ليس مجرد أزقة وشوارع وبيوت مسقوفة بل هو ذكريات طفولة وشباب وكهولة، لذلك لم ولن ينجح الاحتلال في ترحيلي ونزوحي كما فعل بغيري قبل نحو عام".
ويضيف:" لم أعيش رحلة النزوح والرحيل إلا مرات قليلة داخل مخيم البريج، لكن سمعت وعايشت ناس نزحت من الشمال بقهر وألم وخوف من اللاعودة ومصيرهم الذي ظل مجهولها لفترة طويلة، وهذا كاف لإصراري على الاحتماء والتشبث في بقايا ما يشبه المنزل ومخيمي".

ويشير إلى أن عدد كبير من النازحين من الشمال الذين عايشهم فترة وجودهم داخل مخيم البريج كانوا يحسبون الأيام والساعات للحظة عودتهم لمنازلهم، على الرغم من سماعهم أنها أصبحت كومة من الركام والرمال، لافتا إلى أن الصغار قبل الكبار كانوا يذرفون الدموع كالأنهار كلما كانت الأخبار سيئة وأن لا أمل لعودتهم من جديد لبيوتهم وأراضيهم في شمال القطاع.


وشدد على أن تلك المشاهد ما زلت عالقة في ذاكرته لم تمحوها مر الأيام الصعبة والخانقة التي يعيشها بعد أن ضاقت الظروف الاقتصادية عليه كثيرا بفعل شح السيولة وغلاء الأسعار، عدا عن ارتفاع درجات الحرارة بفعل انقطاع الكهرباء منذ الشهور الأولى للحرب، متأملا أن تنتهي الحرب في القريب العاجل وأن تفشل مخططات الاحتلال بالسيطرة على مدينة غزة ومخيمات الوسط، وألا يضطر أحدا للنزوح قسرا من مكان تواجده.

التعليقات : 0

إضافة تعليق